هيبة ملكـ عضو.
عدد الرسائل : 294 المزاج : دوم رايق .. تاريخ التسجيل : 06/09/2008
| موضوع: ليلة مع عاهرة ... الأربعاء نوفمبر 19, 2008 5:15 pm | |
| عندما سأكبر سأكون طبيبة .. تنتفض أمها لتقول .. لا , صحيح يا ابنتي أن مهنة الطبيبة جميلة لكنك ستضطرين للعمل في أوقات متأخرة من الليل وأنا أخاف عليك, ما رأيك لو تعملي معلمة , فالتدريس جميل وفى قريتنا أجمل فعدد الطالبات ليس كبير وأوقات العمل ليست مرهقة , كما أنك ستأخذين إجازة الصيف كاملة تسترخ بحضن والدتها وهى تطوقها بذراعيها وتحنى رأسها لتؤكد الحنان والحماية وتغمض عينيها لتحلم تنتبه ورجلها تنزلق في حفرة صغيرة مليئة بالمياه والطين والقاذورات وهى تمشي في ذلك الزقاق المظلم في أحد الشوارع الخلفية للعاصمة هيه , أنت يا فتاة , تعالى ما رأيك أن نقضى الليلة معا ؟ تلتفت إلى الصوت المتواري في الظلام بلا اكتراث , رجل في الخمسينات من العمر , جينز مهترئ وقميص داخلي منحسر عن كرش ضخمة , ينفث دخان سيجارته بقذارة لم ترد عليه وأكملت طريقها بعد أن مسحت حذائها بأوراق جريدة ملقاة على الأرض الساعة تعلن أنها تجاوزت منتصف الليل , الملهى الآن يضج بالزوار والمرتادين فهو الصيف وإخواننا العرب الذين تتدلى كروشهم وجيوبهم يكتظ بهم المكان ولا تريد أن تسبقها فتاة أخرى , فهم يدفعون بسخاء تسترجع لحظات الطفولة وتهز رأسها لتضحك بسخرية أكنت خائفة على يا أمي أن أعمل طبيبة فأتأخر !!؟؟؟ ها أنا ذي لا بالطبيبة ولا بالمعلمة , مجرد عاهرة تعمل بملهى ليلي بائس , أتنقل من وضاعة لأخرى ومن ذراعي رجل لآخر تخرج قهقهة قصيرة من أعماقها تكاد تنفجر بجوفها ، هي نوعا ما من الطب ونوع من التدريس يا لسخرية القدر .. صحيح ما توقعته فالازدحام شديد وصوت الغناء والموسيقى يدوى عاليا , تحيي فتوات الباب وتدخل إلى الحمام مباشرة لتعدل من زينتها تخرج , تتكئ على حافة طاولة , تسحب علبة سجائرها من الحقيبة , تضع السيجارة ببطء في فمها عسي أن يبادر أحد ما بإشعالها لها وهى تصطنع الدلع , لعلها تجذب أحدا ما يسعى للشهوة ، لم يلاحظها احد فالكل مخمور ومغيب , تشعل سيجارته .. و مع سريان التوتر إلى نفسها كما تستعر الجمرة في ورق السيجارة, لولا السجائر لانفجر العالم وعمته الحرائق, لا بد أن تضع خيبتها في شئ ما, احترقي أيتها السيجارة البائسة المشتعلة بدأت تنفث الدخان على شكل دوائر فوق رأسها وتنظر إليها باستمتاع , وكأنها تعيش حياتها ضمن هذه الدوائر , تتكور , تتسع الحلقات لتذوب في الهواء مساء الخير , ممكن يا آنسة ؟ جاءها الصوت من خلفها غمغمت بكلمات أشبه بصوت زمجرة حيوان , ردا على كلماته , تطلع إليها بعيون محددة , كأنه يستعطفها , أو أنه يفكر بشيء آخر, قلب نظراته بحيرة بينها وبين الصالة التي تهدر بجنون, رفت عيناه وهى تبادله النظرات, انكمش في زاويته بعد أن خنق فكرة راودته وهو ينظر إليها والى الصالة انتفض فجأة وسألها بعصبية أريد أن أجلس معك ونشرب, هل أنت مع أحد ؟ وقبل أن تجيب واصل , ماذا تشربين ؟؟ لم تجب, تحس بحالة من التوجس تتقابل فيها الرغبة بالخوف والشك, مد لها يده بكأس , تفضل شكرا , وتسأله , من أين أنت ؟ لا تعلم لماذا تسأل هذا السؤال الغبي دوما, مع أنها ليست مقتنعة فيه , لا يهم من أين في مكان كهذا, لكنه مهم لتحديد المبلغ الذي ممكن أن تطلبه من الرجل أنا رجل من هذا الزمان, بدون عنوان, أبحث عن رفقة وكأسين, وأنت يا آنسة من أين ؟؟ أنا فتاة خارج هذا الزمان, ألغيت من بنى الإنسان, فقدت الحب والحنان, وكل فتاة تقدم لها كأسان ؟؟ تقولها وهى تدير رأسها عنه متصنعة الثقل والدلال , لتجذبه أكثر, فالرجال ينجذبون لمن تهملهم كما هي غيرة النساء قلت لنفسي ألف مرة لن أشرب, وأقرر أن التوقف عن الكحوليات , وها أنا في كل مرة قبل أن يجف قسمي وحلفي أشرب من جديد , أحاول أن التجأ به من هموم الدنيا وقسوتها, لقد أصبح قدري , رفيقي في كل وقت, وأقول لنفسي, أنني رجل حر افعل ما أشاء, لكن لماذا تقسم على أنك لن تشرب ؟ أريد أن اشرب فقط لا غير لا يهم ما أبرره لنفسي , أتشربين معي ؟ يخيم الصمت بينهما, ينظر كل منهما إلى الفراغ . الأفكار تتابع بعبث, يخرج صوتها وكأنه جاء من عالم آخر لو أردت أن أفعل كما تقول فستجدني مخمورة كل الوقت, رجال آخر زمن تشرب وتفقد الوعي وتضع نفسها بمواقف يفقدها كل الاحترام تقلب شفتها السفلى بامتعاض ولا مبالاة, ترمقه بنصف نظرة, تشع احتقارا أحست بخيبة أمل وانكسار منه وفيه, عدلت من جلستها مقابل الساقي احتضنت كأسها بيديها تنظر إليه وهى تديره براحتيها , كمن يشكو حالها لكأسها بصمت نظر إليها من جديد, بدت له ضعيفة , ملامحها تصرخ بالحزن, في لحظة رآها كتلة من الهموم تجلس على الكرسي وتستند إلى طاولة, ما أن أحست بنظراته التي تستكشفها, حتى رفع كأسه لها, التفتت نحوه بنصف جسدها, ابتسمت, فبان ألف سيف للحزن يحاصر تلك الابتسامة اليتيمة سرت بداخلها أحاسيس غريبة , كانا كما القطط الغريبة عندما تلتقي يتملكها شعور بالألفة والتقارب قال لها, مالي أرى هذا الحزن بعينيك ؟ صدقني , ما يظهر بعيني لا يمثل شيئا مما بداخلي لقاءنا لن يتكرر فبالغد أنساك وتنسيني , إذا أردت أن تتحدثي فلا مانع لدى , إلي جانب أنني لا أرى جو الصالة مشجعا لك,لنتحدث وشرابك على تضحك بدلع , لاستعادة صورتها الأساسية فهي لا تزال من بنات الليل, ولا تريد أن ترتد على ذاتها فتعود لإنسانيتها من جديد تثير أشجان الماضي وتنبش جراحه التي لم تبرأ بعد يمد لها بالكأس الآخر , تأخذه وعيناه تتسمران بوجهها يحاصر عينيها, تحاول هي أن تقرأ نواياه من عينيه, فالعيون دلالاتها لا تخطئ, هي من يفضح البشر, ترفع حاجب عينها الأيسر وترسم على وجهها نصف ابتسامة , يرفع كأسه ليلامس كأسها بحركة سريعة في صحتك, ويشرب كأسه دفعة واحده هي ترتشف منه قليلا وتضعه أمامها, لتبادره بسؤال مفاجئ أتريد أن نتحدث فقط؟ لم اعهد رجلا يأت هنا ويجلس ليطلب منى الحديث, ماذا تريد ؟ حقيقة, لا أريد شيئا , أتيت هنا لأشرب, وعندما رأيتك رأيت هذا الكم الهائل من الحزن , أردت أن نتبادل أطراف الحديث كما قلت لك, فمن الممكن أن لا نلتقي , لذا فهو مجرد حديث غرباء بدون أسماء , نزيح عن صدورنا أثقال الهموم ونمسح تراكمات غبار السنين , نوع من التنفيس , تخفيف العبء عن أنفسنا ابتسمت بحزن, بدت ملامحها متعبة وعيناها ترفان بتثاقل, تحاول أن تبعد خواطر مؤلمة من رأسها ... فانهمرت فجأة كلماتها ... كنت أدرس هنا بالعاصمة بينما والدتي هي من يتحمل نفقاتي وتتولى مسؤولية قطعة الأرض الصغيرة التي تركها لنا والدي الراحل .. وعندما علمت بمرض أمي , عدت إلى القرية , دخلت البيت , رأيت أمي على فراش المرض , بدت لي أن السنين زادت كثيرا من قسوتها عليها وجعلتها عجوزا أكبر من سنها ومريضة جدا, هد المرض والتعب وتوالى الذل القهر جسدها, كانت ترهق نفسها وهى تعتني بأرضنا والمحصول لتبعث بالمال لي , ما كدت انظر إليها حتى أفاقت , أحست بوجودي , فالأمهات يمتلكن إحساسا خارقا بالأبناء, هن كما الأشجار لا يتكلمن كثيرا ولكن يعبرن عن أنفسهن بطريقة لذيذة, وهذه كانت طريقة والدتي بكت أخذتني بحضنها , تتحسس شعري , رأسي , وجهي , تعود فتحضنني بقوة وهى تشمني , تلك الليلة نامت ونمت بجوارها, عند الصباح أفقت , ولم تفق أمي , فقد ماتت, كانت تقاوم المرض إلى أن رأتني وبعدها ماتت لم أستطع أن أعيش بالقرية فبعد موت أمي ولا يوجد من يعينني على تحمل مصاريف العيش, وحجز على أرضنا نتيجة للديون المتراكمة عدت إلى هنا ولكني عدت لست كطالبة إنما باحثة عن عمل , لم أجد عملا إلى أن تلقفتني سيدة, أظهرت في البدء الشفقة والمساعدة, اكتشفت بعدها أنها تريد أن تضمني لمجموعتها من بنات الليل وهى من يدير هذه الشبكة تسكت للحظات وعيناها تدوران فارغتين, تجتر الماضي الكريه أو كمن يرتب أفكاره لتخرج كلماتها المبعثرة كحياتها .... رفضت في البداية وتشردت كثيرا باحثة عن عمل ولم أجد وكنت كمن لو أنني انزلقت بدوامة رمال متحركة تجذبني لأغرق مختنقة في أعماق الرمال .. كانت المدينة عبارة عن دوامة رمال متحركة عملاقة وكبيرة .. المدينة الكبيرة تستر الإنسان , رغم أنها تظل تنهشه من الداخل حتى يموت, والموت شئ مألوف هنا يقع كل يوم , لذلك لا يحرك الناس ولا يعنى لهم شيئا, أما في القرية لا يموت الناس إلا عندما يتعبون من الحياة, هنا الموت يقف على ناصية الشوارع ،على أسطح المنازل ..حتى أنه يرتسم على الوجوه .. وعدت لتلك السيدة محطمة مقهورة جائعة متشردة ... وحاولت أن أقنع نفسي بأنه عمل كأي عمل آخر .. كنت على طبيعتي , لم أعتاد هذا الجو هذه الكلمات, البذاءة, ومع الوقت تعلمت أن أتقبلها , ولابد أن اضحك لا وأن أقولها أيضا , ولا أمانع كثيرا إذا ما امتدت أيدي الرجال تتحسس جسدي , لقد مات الجسد , ماتت الإنسانية بداخلي , أنا لست إنسانة جديرة بالاحترام, تعودت على الإهانة , ومادمت أعيش من كوني فتاة متعة , فكل شيء لابد أن ارتضيه, فليس هناك بشر أكثر انحطاطا منى ! فأنا مجرد وعاء رغبات من لحم, معروض في محل جزارة, كل مشترى له الحق في أن يلمسه ، يتفحصه ،ومن يدفع الثمن يأخذه, هكذا, من يشترى يتملك ، وتغتال العاطفة كما اغتيل الحب والمشاعر والأحاسيس ، يموت كل ما هو جميل بداخلك ،فالرجال يريدون كل شئ ،أنا لا أشكل لهم حالة إنسانية ،كما قلت لك مجرد وعاء رغبات ،،هذه هي أنا ،امتلئ بعفن الدنيا كله لحظات الاختناق عندي عندما يصل الرجال إلى قمة اللذة ،عندها أحس بالحمم تكاد تنفجر عذابا بداخلي ،مع كل شهقة وضحكة منهم أفقد فيها جزء من حياتي ،يقتطعه سكين مثلوم بارد قذر يرمى بأحشائي أمامي ،يضحكون بينما أنا انهار وأتداعى ،عدما يرمون بالنقود إلى كحيوان أجرب مذعور مبلول يكاد البرد أن يقتله أضع النقود بمحفظتي بلا عدد وأهرب داخل نفسي مسرعة لانزوى بإحدى زوايا فكرى الضيق لأنتحب بصمت ... أتعلم أمرا ..!! رأيت الكثير من كل أنواع الرجال ...أنتم الرجال ليس لكم أمان , تقولون شيئا وتفعلون شيئا آخر , كل إمرأة ترونها هي الأولى بحياتكم , وتقسمون أنكم لا تعرفون غيرها, بينما في الوقت نفسه تقولون الكلام نفسه لأول إمرأة تقابلكم بعدها , تحلق وتتسمر العيون والقلوب مع أي إمرأة جديدة , أعرف أن ما أقوله لهم غير صحيح وهم يعرفون ذلك , لكن تتملكهم النشوة لكلماتي , وما يصيبني بالجنون , عندما يأتي أحدهم ويقول أنه يحبني !!! ؟.؟ يعلم أني إذا لم أكن معه , فمن المؤكد أني مع غيره , ومع ذلك يحبني !!! ؟؟ أترى , انظر أمامك , انظر إلى ذلك العجوز الذي ينثر النقود على رأس تلك الفتاة التي تتمايل رقصا على المسرح , ذلك العجوز الثمل ونظرات الرغبة التي زادت لمعانها بعينيه وهو ينثر النقود , أتعتقده فرحا سعيدا ؟؟ لا اعلم أنت ما ترين ؟؟ لقد سئمت تلك النوعية , انهم اتعس أنواع الرجال بداخلهم , بالرغم من أنهم فريستنا نحن , لا نبحث عن الشاب قدر ما نبحث عن هؤلاء, فرجولتهم بأموالهم تضحك وهى تنفث دخان سيجارتها تستدير إليه وهى تحنى رأسها للأسفل مغمضة عينيها , تشد على شفتيها بحسرة ليتك لم تأتى , ليتني لم ألتفت إليك , ليتك لم تتكلم , أو أنني من كان يريد الحديث, من يريد أن ينتشل بقاياه من تحت أنقاض القذارة التي تهاوت بزلزالها على حياتي , لم استطع أن احتمل أكثر, كتمت أنفاسي هذه الرائحة, هذا الجو الخانق كرهت نفسي , كرهت رائحة جسدي الملوث كرهت النظر إلى المرآة , كرهت هذا المكان وحضوره كرهت التمثيل والخداع باختصار أنا لست إنسانة .. أنا عاهرة بائعة هوى, بضاعتها جسدها, معروضة للبيع لمن يدفع, من كل الأعراق والملل النظيف والقذر الوجيه والوضيع الشاب والعجوز, من يمتلك المال يمتلكني ترمى سيجارتها تسحب حقيبتها بعنف, مندفعة تجاه الباب لتختفي بين الزحام نهض خلفها حاول أن يناديها, لكنه لم يعرف اسمها, لم تلتفت إليه , غادرت كما لو لم تكن موجودة أصلا أكمل شرب كأسه , دفع بالنقود إلى الساقي ، غادر بتثاقل في اليوم التالي وبينما هو يسير إلى نفس الملهى في نفس الزقاق المظلم عله أن يجدها, يسحب صحيفة من الكشك الصغير ليتسلى بها في طريقه , يقلب الصفحات , صورة صغيرة وخبر أصغر , العثور على جثة فتاة منتحرة, يدقق في الصورة أنها هي ,, يرمى الجريدة, يغمض عينيه , تنزل دمعه حائرة , أهو من كان السبب ؟ تلتقط فتاة مسرعه الجريدة من الأرض, تمسح حذائها من آثار المياه بعد أن انزلقت قدمها بحفرة مليئة بالمياه القذرة والطين , لا تريد أن تتأخر على الملهى يدير ظهره يعود إلى بيته, لن تتوقف الحياة, ولكنه كان الكأس الأخير له تلك الليلة ...
انتهت ... مارس 2002 ... | |
|